كان الفضيل تقطع الطريق وحده. فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلا، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية فإن أمامنا رجلا يقطع الطريق، يقال له: الفضيل.
قال: فسمع الفضيل، فأرعد، فقال: يا قوم! أنا الفضيل، جوزوا، والله لأجتهدن أن لا أعصي الله أبدا، فرجع عما كان عليه. وروي من طريق أخرى أنه أضافهم تلك الليلة؟ وقال: أنتم آمنون من الفُضيل. وخرج يرتاد لهم علفا؛ ثم رجع فسمع قارئا يقرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16].
قال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته.
وذكر الحافظ ابن حجر سببا آخر للتوبة، فقال: قال الفضل بن موسى: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} فلما سمع قال: بلى يا رب قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها قافلة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت، قلت: أنا أسعى بالنيل في المعاصي، وقوم من المسلمين يخافونني ههنا، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع؟ اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فضيلاً ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31].
وجعل يقول: ونبلوا أخباركم، ويردد ويقول: وتبلوا أخبارنا،إن بلوت أخبارنا فضحتنا، وهتكت أستارنا، إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا.
وسمعته يقول: تزينت للناس وتصنعت لهم وتهيأت لهم، ولم تزل ترائي حتى عرفوك، فقالوا: رجل صالح، فقضوا لك الحوائج، ووسعوا لك في المجلس، وعظموك، خيبة لك، ما أسوأ حالك إن كان هذا شأنك. وسمعته يقول: إن قدرت أن لا تعرف فافعل؛ وما عليك أن لا تُعرف، وما عليك إن لم يُثن عليك، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله محمودا.